أكدت مجموعة من الموظفات أن المرأة إذا احتلت وظيفة مرموقة وباتت في مركز قيادي تحاول فرض وجودها بالتسلط على الموظفات الأخريات خاصة العاملات تحت إمرتها وقيادتها.
فتصدر إليهن الأوامر وتتحدث معهن بكبرياء وغطرسة، وهو ما يجعل من تحت إدارتها في معاناة مستمرة بسبب مضايقتهن والتربص بهن.
والتقليل من جهودهن وازدرائهن وتكليفهن بأعمال ومطالب ترهقهن، ليس هذا فحسب.
بل لا يجدن منها شكراً أو وجهاً مبتسماً.. فلا هَمَّ لها إلا البحث عن الأخطاء وتتبع التقصير واتخاذ العقوبات مما يخلق جواً غير صحي يفتقر إلى المودة والتعاون والحب، وهو ما ينعكس في النهاية على المؤسسة كلها.
وحول شخصية المرأة الموظفة المتسلطة وطبيعتها والتعامل معها يقول: الدكتور أحمد حمدي توفيق الأستاذ بجامعة أم القرى كلية العلوم الاجتماعية قائلاً:
مما لاشك فيه أن لكل إنسان منا سمات وخصائص عامة وأخرى خاصة، وهذه السمات والخصائص هي التي تشكل وتكون شخصية هذا الإنسان.
وهذه الشخصية سواء كانت ذكراً أم أنثى تتكون من مجموعة من الأفعال والتصرفات والأفكار الشخصية الإنسانية.
ويضيف د. توفيق أنه مما لاشك فيه أن الإنسان يولد صفحة بيضاء ثم يكتسب عدداً من الصفات من خلال ما يمر به من خبرات وتجارب وممارسات واقعية وحياتية تؤثر على شخصيته الانسانية بالإضافة إلى بعض الموروثات المختلفة.
وتختلف الشخصية الانسانية في طبيعتها وتشكيلها من شخص لآخر بما تتضمنه من تأثيرات مختلفة، نتجت عن عمليات التعلم والتجارب. ومن هذه النماذج الشخصية النموذج المتسلط.
ويرى د. توفيق أن هذا النموذج يتمتع بقدر قليل من المرونة، ويفتقد إلى فن التعامل أو التحاور مع الآخرين وخاصة مع المرؤوسين، وهي شخصية لا تعترف بالآخر، وهي لا تحترم رغبات وحاجات الآخرين.
وهي شخصية جامدة تقودها دائماً الرغبة نحو تحقيق ما تصبو إليه من رغبات وآمال وطموحات.. وهي لا تفكر إلا في مصالحها الشخصية أو الذاتية، وتسعى إلى تشكيل العالم المحيط بها وفقاً لأهوائها الشخصية أو الذاتية.
وهي نادراً ما تتنازل عن أفكارها، وتسير في طريق ضيق خاص بها لا تحيد عنه إلا نادراً، كما لا تؤمن بالحلول الوسطية، وتتعامل مع الأمور من زاوية أحادية الجانب، ولا تؤمن بالعمل الجماعي.
ويضيف د. توفيق أن قرارات الشخصية المتسلطة تكون قرارات مركزية، واتصالاتها هابطة من أعلى إلى أسفل.
وغالباً ما تكون في شكل أوامر. ولا تعترف بالنقد ولا بإنجازات الآخرين… وكثيراً ما تقلل من الآخر، كما أنها تستخدم الأسلوب القمعي أو الجامد في التعامل. هذا من جانب..
ومن جانب آخر فإنها تتميز بسرعة صنع واتخاذ القرار، ولكنها تجد صعوبة شديدة في إقناع الآخرين بتنفيذ هذه القرارات.
شخصية ضعيفة ومن زاوية أخرى يتعمق أستاذ الاجتماع بجامعة أم القرى أكثر وأكثر في الشخصية المتسلطة فيقول: إنها شخصية ضعيفة في أعماقها، وغالباً ما تتستر خلف هذه الشخصية علامات الوهن والضعف…
وتحاول ألا تظهر ضعفها وقصورها أمام الآخرين… فهي شخصية غير مرنة وغير متجددة وتفقد الأهلية السليمة نحو التعامل مع الآخرين. كما أنها بحاجة إلى نوع خاص من الرعاية والاهتمام، فهي تعد شخصية مريضة وغير متزنة وتحتاج إلى المساعدة.
ويشير د. توفيق إلى أن بعض من هذه النماذج ينتشر بين النساء العاملات في محيط العمل أو في مجال الدراسة واللاتي يؤثِّرن في المحيطات بهن.
وبدون شك فإن هذه النماذج لها تأثيراتها السلبية على الجميع…
وخصوصاً على العاملات والتلميذات في مجال التعليم. والخوف أشد الخوف من تأثر هؤلاء العاملات أو التلميذات بهذه النماذج غير السليمة، فيتحول بعضهن بعد فترة من الزمن إلى مثل هذا النوع من الشخصية غير السليمة. مسببات التسلط.
ويحلّل د. توفيق الشخصية المتسلطة فيرى أنها مرت بمجموعة من العوامل والمسببات التي أثرت على وضعها وجعلتها بهذه الصورة غير السليمة وهي تختلف من شخصية إلى أخرى. - عوامل مرتبطة بالشخصية الشخصية المتسلطة وما بها من جوانب جسمية ونفسية وعقلية واجتماعية.
- طبيعة المجتمع والجانب المظلم من الأنوثة الذي ينظر إليه أحياناً نظرة سوداوية للمرأة، وبالتالي تلجأ إلى التعويض من خلال هذا النموذج. - البيئة التي تعيشها هذه الشخصيات.
وهي غالباً بيئة مفككة وغير سليمة. - الطبيعة النفسية للشخصية المتسلطة وما بها من قلق وخوف وإحباط ومتغيرات مختلفة تؤثّر سلباً على نفسيتها وتجعلها غير سوية.
- مرور الشخصية المتسلطة بمجموعة من الخبرات الحياتية السلبية التي تجعل منها شخصية غير متزنة.
- طبيعة التفاعل والاتصال مع الوسط المحيط بها وما يحتويه من تفاعلات سلبية مع الآخرين.
- عوامل أخرى نشوئية تساعد على تكوين السلوك المضاد في المجتمع إضافة إلى عوامل عائلية واجتماعية واقتصادية وبيولوجية، وغير ذلك من العوامل والمسببات الأخرى. التعامل مع المتسلط.
ويركز د. توفيق هنا على ضرورة التعامل باحترافية شديدة مع هذه النماذج والحرص الشديد على مساعدتها في التخلص مما تعانيه من مشكلات، وعلى الشخص المتسلط نفسه أن يدرك حاجته إلى التغيير وأن يسعى إليه، ويكون ذلك من خلال:
- دراسة وتحليل أبعاد الموقف الإشكالي، والعمل على حل مشاكله بصورة علمية وواقعية.
- توجيه وحفز وتشجيع الجهود المختلفة لإحداث التغيير المنشود والتحرك نحو الأفضل.
- التوعية المستمرة عن طريق إجراء حوار مفتوح حول الموقف الإشكالي وحث الآخرين على تعديل السلوكيات والاتجاهات غير السليمة.
- التنسيق بين الجهود المختلفة لإيجاد حلول واقعية للموقف الإشكالي.
- مناقشة الأسباب الرئيسية والفرعية للمشكلة بشفافية والعمل على علاجها.
- الحرص على تكوين وتعزيز السلوك الإيجابي والقضاء على كل صور السلوك السلبي.
- الإشعار بأهمية وقيمة العمل التعاوني والمشاركة السليمة لنجاح العمل.
- العمل على نشر ثقافة الحوار الفعال بين الرؤساء والمرؤوسين
* القضاء على كل معوقات العمل الجماعي أو التعاوني والعمل على إعلاء قيمة العمل والمشاركة داخل المجتمع المحلي. غطرسة وكبرياء غ. ن. تقول: إن المرأة بوجه عام إذا أصبحت في مركز وظيفي قيادي تحاول أن تفرض وجودها بالتسلط على الموظفات الأخريات.
وبخاصة العاملات تحت إدارتها بإصدار الأوامر والتحدث بكبرياء وغطرسة، وهو ما تعاني منه مع زميلاتها في العمل من تسلط المسؤولية عن القسم النسائي التي تريد أن تثبت وجودها عن طريق مضايقتهن، مع أنهن يبذلن جهداً متواصلاً في عملهن، وينجزنه بالكامل وتتربص بهن، لأن عملهن لا يعجبها، وهي صاحبة القرار.
تسلط وغرور وتحدثت ن. ق. (معلمة في مدرسة أهلية) فقالت “ونلاقي الكثير من الإزعاج من المديرة أو الوكيلة في المدرسة، مع أننا لا نقصر في أداء عملنا في إطار التسلط علينا، وتعمدان إلى إظهار عيوب فينا غير موجودة وتكليفنا بالمساهمة في ترتيب الفصول والمشاركة في قيمة الجوائز المقدمة للطالبات.
دون مراعاة ظروف المعلمة المادية وضآلة الراتب في المدارس الأهلية، مضيفة أن المديرة تستغل موقعها لفرض سيطرتها على المعلمات بتهديدهن بالاستغناء عنهن.
وطالبت المرأة التي توضع في موقع وظيفي قيادي بمخافة الله في الموظفات اللاتي يعملن معها وأن تعاملهن برفق، لأن عيب معظم صاحبات المراكز التسلط والغرور والكبرياء، بينما هن في الواقع لا يختلفن عن غيرهن إلا بالمنصب، وتمنت على كل امرأة متسلطة أن تراجع نفسها، وتحاول إصلاح ذاتها حتى تصبح امرأة محبوبة من مرؤوساتها.
حتى لا تكون مكروهة ورفضت ص. ع أن تعمل تحت إمرة رئيسة متسلطة، معتبرة أن المديرة أو صاحبة القرار يجب أن تتصف بالأخلاق الحسنة والتواضع في التعامل مع المرؤوسات، كما تحب أن يعاملها الناس حتى لا تكون امرأة مكروهة من الموظفات بسبب تسلطها ومضايقتها لهن.
مشيرة إلى الكثيرات من النساء اللواتي أصبحن في مركز وظيفي مرموق في مجتمعنا يستخدمن المنصب لممارسة التسلط على غيرهن، وعدم تقدير الجهد المبذول منهن في إنجاز العمل المطلوب منهن، وهي تعتقد أن السبب شعور المرأة بالغيرة من أي امرأة أخرى، وعدم رغبتها في أن تكون أفضل منها.
علاج نفسي ورأت منى س. (موظفة في بنك) أن المرأة المتسلطة في العمل التي تمارس الضغوط على الموظفات تحتاج لعلاج نفسي، لأنها تعاني من ضغوط في بيتها أو من أهلها، فتفرغ ردة فعلها بالموظفات معها اللواتي من المفروض أن يشعرن بالعدل والإنصاف.
ولا يتعرضن للقسوة والظلم في عملهن من قبل رئيسة متسلطة، علماً بأن هناك رئيسات كثيرات يعاملن الأخريات بالحسنى وبالاحترام والمودة، مما يساعد على نجاح العمل في أي قطاع.
البحث عن الأخطاء وعبرت ر. ط. عن تذمرها الواضح من رئيسة القسم الذي تعمل فيه، ومعاناة جميع الموظفات من تسلطها، لأنها بعد عملهن ساعات طويلة كل يوم، لا هم لها إلا البحث عن الأخطاء واتخاذ العقوبات، وإعادة الأعمال التي بذلن في إنجازها الكثير من الجهد، وهي تعتقد أن سبب تسلط هذه المرأة خوفها من أن تصبح مرؤوساتها أفضل منها، وهن يفضلن السكوت على تسلطها، خوفاً من إجراءات أشد تتخذها بحقهن.
الإخلاص وليد الحب قالت مها. ع “هناك رئيسات يعاملن الموظفات كأخوات لهن بروح من الألفة والتفاهم، وأحمد الله أن رئيسة القسم في عملي امرأة تتصف بالأخلاق الحميدة وبأسلوبها اللطيف تجعل جميع الموظفات يخلصن في أعمالهن ويبذلن المزيد من الجهد برضا، وأطالب الرئيسة المتسلطة في العمل بأن تراجع نفسها، وتراقب الله قبل كل شيء، بعيداً عن الغيرة والحسد، وتشعر بالسعادة إذا رأت غيرها تتقدم في العمل.
الشعور بالنقص وعبر الناشط في مجال حقوق الإنسان المهندس عبدالله سابق عن رأيه في الموضوع قائلا: “التسلط مرض نفسي يحدث نتيجة الشعور بالنقص لظروف أسرية أو مادية أو شخصية، أو نتيجة ضعف الشخصية ومن خلاله يتم إفراغ ردة الفعل على حدث سابق مورس فيه التسلط، ويمارس التسلط أيضاً المصابون بالرهاب الاجتماعي، لكن تبقى هذه الأمور نسبية وليست قاعدة، حيث يوجد في الجانب الآخر متميزون بخلقهم وحسن تعاملهم مع الآخرين”.
وتقول الاختصاصية النفسية الدكتورة سلوى أبو العز “عندما يفتقد الإنسان الأسلوب الأمثل في التفاهم، ويتخلى عن المرونة المطلوبة في التعامل، ولا يهمه أن يقتنع برأي الآخرين، كما لا يهمه إقناع من يعايشهم أو يتعامل معهم بوجهة نظره، لأنه لا يرى رأياً آخر غير رأيه.
ولا يرى إنساناً قادراً على اتخاذ قرار سليم إلا ذاته، كل هذا يعني أن هذا الإنسان أصبح متسلطاً يفتقد الكثير من مقومات شخصيته العائلية والاجتماعية” “المتسلط هو الشخص الذي يعجز الناس عن إقامة حوار موضوعي معه، والشخص الذي تخلو أفكاره من أي منطق يحكم التفكير الطبيعي السوي بينه وبين الناس ويتواصلون به وعادة ما يتسم سلوكه بشكل عام بالحدة.
وأحياناً بالعنف والعدوانية، كذلك هو الشخص الذي يتمادى في فعل شيء أو يتبنى رأياً ثبت خطؤه، حتى وإن تعرض لمشاكل بسبب هذا الفعل أو هذا الرأي، والتسلط ليس صفة تخص الرجل وحده، فكثير من النساء أيضاً يتصفن بهذه الصفة، وينلن من آثارها المدمرة للشخصية وللأسرة”.
عدو نفسها اعتبرت هالة ف – ربة بيت – المرأة عدو نفسها قبل أن تكون عدو المرأة الأخرى وأيدت كلامها برسم صور كثيرة في حياتنا اليومية تؤكد كلامها: عندما ننظر حولنا نجد أن المرأة هي السبب في قهر بنات جنسها فعندما تتبوأ موقعاً قيادياً على سبيل المثال تخاف من زميلاتها وتعمل على اضطهادهن.
الغيرة النسائية وترى ش – موظفة - أن مقولة إن المرأة تظلم المرأة ليست صحيحة على اطلاقها لكنها لا تخلو من شيء من الصحة فالمرأة إنسان له مشاعر وحالات نفسية تؤثر وتتأثر بمؤثرات متفاوتة وقد يكون الظلم بالتشدد والتسلط واتخاذ القرارات المتعسفة من بعض النساء إما بسبب ضيق الأفق أو ربما النزق، وأحياناً تكون الغيرة النسائية من أسباب وجود ظلم.
سلطة المرأة أما أ. ك – طالبة - فتذكر أن طبيعة العلاقة التي تربط المرأة بالمرأة تلعب دوراً أساسياً وحاسماً في الارتقاء والنجاح أو في تحويلها إلى مصدر إزعاج سواء كان ذلك في مجال العمل أو الزواج أو حتى العلاقات اليومية ومع دخول المرأة سوق العمل أصبحنا نسمع عن الكثيرات ممن يتبوأن مناصب قيادية مهمة تتيح لهن أن يعمل بإمرتهن مجموعة من النساء والرجال وليس النساء فقط.
وسوء المعاملة أو الظلم قد يصدر من الرجل أو المرأة في نفس الوقت وليس وقفاً على النساء فقط، لكن للأسف يجد البعض في سلطة المرأة تسلطاً لا مبرر له يدفعه للتكلم وتضخيم الأمور وإعطائها أكبر من حجمها.
اسم الكاتب: عجايب العتيبي
مصدر المقال: موقع الدعوة